سورة الحجر - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)}
{إِلاَّ إِبْلِيسَ} استثناء متصل ما لأنه كان جنيًا مفردًا مغمورًا بألوف من الملائكة فعد منهم تغليبًا واما لأن من الملائكة جنسًا يتوالدون يقال لهم جن وهو منهم وإما لأنه ملك لا جنى، وقوله تعالى: {كَانَ مِنْ الجن} [الكهف: 50] مؤول كما ستعلمه إن شاء الله تعالى، وقوله سبحانه: {إِبْلِيسَ أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين} استئناف مبين لكيفية عدم السجود المفهوم من الاستنثناء بناء على أنه من الاثبات نفي ومن النفي إثبات وهو الذي تميل إليه النفس فإن مطلق عدم السجود قد يكون مع التردد وبه علم أنه مع الإباء والاستكبار، وجوز أن يكون الاستثناء منقطعًا فجملة {أَبِى} إلخ متصلة بما قبلها، ووجه ذلك بأن إلا عنى لكن وإبليس اسمها، والجملة خبرها كذا قيل: وفي الهمع أن البصريين يقدرون المنقطع بلكن المشددة ويقولون: إنما يقدر بذلك لأنه في حكم جملة منفصلة عن الأولى فقولك: ما في الدار أحد الاحمارا في تقدير لكن فيها حمارًا على أنه استدراك يخالف ما بعد لكن فيها ما قبلها غير أنهم اتسعوا فأجروا إلا مجرى لكن لكن لما كانت لا يقع بعدها إلا المفرد بخلاف لكن فإنه لا يقع بعدها إلا كلام تام لقبوه بالاستثناء تشبيهًا بها إذا كانت استثناء حقيقة وتفريقًا بينها وبين لكن، والكوفيون يقدرونه بسوى، وقال قوم منهم ابن يسعون: إلا مع الاسم الواقع بعدها في المنقطع يكون كلامًا مستأنفًا، وقال في قوله: وما بالربع من أحد. الا الأواري إلا فيه عنى لكن والأواري اس ملها منصوب بها والخبر محذوف كأنه قال: لكن الأواري بالربع وحذف خبر إلا كما حذف خبر لكن في قوله:
ولكن زنجيًا عظيم المشارف ***
اه.
والظاهر منه أن البصريين وإن قدروه بلكن لا يعربونه هذا الإعراب فهو تقدير معنى لا تقدير إعراب، ولعل التوجيه السابق مبني على مذهب ابن يسعون إلا أنه لم يصرح فيه بورود الخبر مصرحًا به، نعم صرح بعضهم بذلك وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة لهذا المبحث في هذه السورة فافهم، ووجه الانقطاع ظاهر لأن المشهور أنه ليس من جنس الملائكة عليهم السلام، والانقطاع على ما قال غير واحد يتحقق بعدم دخوله في المستثنى منه أو في حكمه، وما قيل: إنه حينئذ لا يكون مأمورًا بالسجود فلا يلزم والاعتذار عنه بأن الجن كانوا مأمورين أيضًا واستغنى بذكر الملائكة عليهم السلام عنهم وأنه معنى الانقطاع وتوجه اللوم من ضيق العطن.


{قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32)}
{قَالَ} استئناف مبني على سؤال من قال: فماذا قال الرب تعالى عند آبائه؟ فقيل قال سبحانه: {يَا ابْليسُ مَالَكَ} أي: أي سبب لك كما يقتضيه الجواب، وقوله تعالى: {ما منعك} [الأعراف: 12] {أَلاَّ تَكُونَ} أي في أن لا تكون {مَعَ الساجدين} لما خلقت مع أنهم هم ومنزلتهم في الشرفق منزلتهم، وكأن في صيغة الاستقبال إيماء إلى مزيد قبح حاله، ولعل التوبيخ ليس لمجرد تخلفه عن أولئك الكرام بل لأمور حكيت متفرقة أشعارًا بأن كلًا منها كاف في التوبيخ وإظهار بطلان ما ارتكبه وشناعته، وقد تركت حكاية التوبيخ رأسًا في غير سورة اكتفاء بحكايتها في موضع آخر، والظاهر أن قول الله تعالى له ذلك لم يكن بواسطة وهو منصب عال إذا كان على سبيل الاعظام والاجلال دون الإهانة والإذلال كما لا يخفى.


{قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33)}
{قَالَ} استئناف على نحو ما تقدم {لَمْ أَكُن لاِسْجُدَ} اللام لتأكيد النفي أي ينافي حالي ولا يستقيم مني أن أسجد {لِبَشَرٍ} جسماني كثيف {خَلَقْتَهُ مِن صلصال مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} إشارة إجمالية إلى ادعاء خيريته وشرف مادته، وقد نقل عنه لعنه الله تعالى التصريح بذلك في آية أخرى، وقد عنى اللعين بهذا الوصف بيان مزيد خسة أصل من لم يسجد له وحاشاه وقد اكتفى في غير موضع بحكاية بعض ما زعمه موجبًا للخسة، وفي عدوله عن تطبيق جوابه على السؤال روم للتفصي عن المناقشة وأني له ذلك كأنه قيل: لم أمتنع عن الانتظام في سلك الساجدين بل عما لا يليق بشأني من السجود للمفضول، وقد أخطأ اللعين حيث ظن أن الفضل كله باعتبار المادة وما درى أنه يكون باعتبار الفاعل وباعتبار الصورة وباعتبار الغاية بل إن ملاك الفضل والكمال هو التخلي عن الملكات الردية والتحلي بالمعارف الربانية:
فشمال والكاس فيها يمين *** ويمين لا كاس فيها شمال
ولله تعالى در من قال:
كن ابن من شئت واكتسب أكدبا *** يغنيك مضمونه عن النسب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا *** ليس الفتى من يقول كان أبي
على أن فيما زعمه من فضل النار على التراب منعًا ظاهرًا وقد تقدم الكلام في ذلك.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14